رسالة الناشط محمد سليمان عيسى بعد هجرته عبر قوارب الموت
أول و آخر منشور عن هجرتي ، لم أكتب و لم أبرر و لم أوضح الأسباب و كذلك من خلال هذا المنشور لن أتكلم فيه عن كل تفاصيل القصة إلى أن يحين الوقت المناسب لذلك .
ملاحظة من البداية:
أنا لا أنصح أبدًا بالهجرة الغير نظامية، ولا أتمنى لأحدٍ أن يمرّ بتجربة قاسية مثل التي مررت بها… ولكن لكل إنسانٍ حكاية، ولكل روحٍ جرح، ولكل قرارٍ ظروف تُجبرك عليه قبل أن تختاره.
لقد كبرتُ في مؤسسات تربوية وجمعيات تطوعية علّمتني حب الوطن والصدق في خدمته.
كنتُ إمامًا وخطيبًا متطوعًا في مساجد مدينتي، وأنشط في المجال التربوي والاجتماعي، أحمل حلم التغيير بروحٍ صافية، وأؤمن أن الجزائر تستحق غدًا أجمل.
خرجتُ وصرختُ مع الملايين في الحراك الشعبي، ناديتُ بالحرية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص…
كان حلمي بسيطًا: وطنٌ يحتضن أبناءه بدل أن يلفظهم.
لكنّ صوتي الذي ظننته حقًّا… صار يُعامل كجريمة.
اعتُقلت بسبب آرائي ومنشوراتي وأفكاري… وبعد خروجي، لم تتوقف المضايقات ولا التضييقات…
لقد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت.
وفي لحظة ضعفٍ ممزوجةٍ بالأمل… لم أجد بابًا مفتوحًا غير باب البحر.
البحر الذي لا يُسأل فيه الإنسان عن فكره ولا رأيه، البحر الذي قد يأخذك إلى موتٍ قريب… أو حياةٍ جديدة.
تذكرت قول الله تعالى:
> ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالوا فِيمَ كُنتُمْ قالوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض﴾
فسألت نفسي: أليس الهروب من الظلم طلبًا للنجاة؟
وقوله تعالى:
> ﴿وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾
فقلت: لعل الله يكتب لي سعة بعد هذا الضيق.
لم أهاجر لطلب مال، ولا لأجل حياة ترف…
هجرت من أجل كرامتي، من أجل حرّيتي، من أجل أن أتنفس دون خوف.
أنا لا أفتخر بهذه التجربة، بل أفتخر أنني ما زلت حيًّا بعدها…
وأرجو أن يكون ما مضى بداية لفجرٍ جديد، لا هروبًا إلى الظلام.
اليوم…
لا أملك سوى أن أدعو الله أن يحفظ وطني، وأن يرفع عنه كل ظلم، وأن لا يُضطر أي شابٍ بعدي أن يختار طريق البحر…
رب اجْعَلْ لِي مِنْ أَمْرِي يُسرا )
(رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
هذا ليس دفاعًا عن الهجرة غير النظامية…
إنما شهادة إنسانٍ عاش القهر حتى ضاقت به الأنفاس.
إذا رأيت يومًا شابًا يركب الموج… فلا تحكم عليه قبل أن تعرف حجم العاصفة التي تلاحقه





