العصابة الحاكمة في الجزائر تعيش ما قبل الصدمة.
إذا أجرينا تقييماً للجزائر على المستوى السياسي في مرحلة ما بعد بوتفليقة، أي بعد تعيين عبد المجيد تبون من طرف الجنرالات فتتضح لنا صورة قاتمة عن كيفية تبدد آمال الجزائريين في قيام دولة ديمقراطية سريعاً، مع تحول الدولة إلى حكم استبدادي عنيف. إذ يظهر لنا الواقع الحالي أن الدولة عادت إلى قمع ما قبل عهد بوتفليقة بعد سياسة تخفيف القيود المنضبطة خلال حقبة الرئيس المخلوع بوتفليقة، وهو ما يشير إلى مخاوف منهجية من اندلاع حراك ثوري جديد. ربما يكون عنيفاً في ظل سياسة تكميم الأفواه الممنهج
وبعد مرور أربع سنوات على حكم تبون، يبدو أن الإصلاحات المزعومة المتخذة إلى الآن لم تشجع على المشاركة السياسية الفعالة. لا يُعد هذا مؤشراً على نجاح الإدارة أو فشلها، بما أن المشاركة في مثل هذا الأجواء المحتدمة تعتمد أيضاً على عوامل أخرى مثل تشكك الجماهير في النخب عموماً. ومع ذلك، فإن الساحة السياسية التقليدية التي تشمل الأحزاب والجهات الفاعلة المحلية باتت خاملة بسبب الغموض السياسي والتدابير القمعية. خلافاً لنهج بوتفليقة الذي يتيح هامشاً للحركات والأنشطة، باتت المعارضة العلنية للحكومة تقترن في معظم الأحيان الآن بالملاحقة القضائية وهو ما يحد من إمكانية حدوث أيّ تغييرات في قيادة البلاد قبل الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها في عام 2024. علاوة على ذلك، تعاني الهيئة الوطنية للإعلام (وكالة الأنباء الجزائرية) التي تتمثل مهمتها في التشجيع على عقد المناقشات العامة من سيطرة محلية ورقابة ذاتية خانقة حيث أصبحت بوقا للسلطة ،وهو ما يقوض أيّ عملية لتجديد وتغيير النخب.
حسب الوضع الراهن على أرض الواقع، تستهدف الحملة القمعية الشخصيات والمنظمات الرئيسية التي تدعو إلى احترام الحريات الديمقراطية وتدافع عن حرية الصحافة. فقد اعتقل صحفيين مثل إحسان القاضي ومصطفى بن جامع مع إغلاق آخر منبر إعلامي مستقل، “راديو إم| Radio M”، بدعوى تلقي تمويل أجنبي. علاوة على ذلك، فقد صدر قرار بحل بعض المنظمات الحقوقية الرائدة مثل “الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان”.
لا يقتصر النهج القمعي الحالي الذي تفرضه العصابة الحاكمة على ميداني السياسة وحقوق الإنسان. إذ امتدت حالة ترسيخ الوضع الأمني المفروضة على المشهد السياسي لتشمل شؤون الدولة خلال جائحة كورونا والحرب الأوكرانية مع احتكار السلطات للسياسات العامة والاقتصاد والسياسة الخارجية. إذ يمكن الآن التعامل مع الانتقادات الموجهة إلى الحكومة باعتبارها محاولة “غير دستورية لتغيير النظام” وفقاً للتعديلات المثيرة للجدل التي أجريت على قانون العقوبات في عام 2020. يقع كل هذا ضمن الدور المعتاد والتاريخي للنظام باعتباره “الوصي على الجمهورية”، لكن ذلك يأتي على حساب كافة المحاولات الرامية لإيجاد بديل فعال خاصةً وأن الإدارة الحالية أصبحت أكثر قوة من سابقتها في فرض سلطتها. الديكتاتورية ،يعكس هذا القمع خوف السلطات بعد عام 2019 من أيّ محاولات لإعادة تصور دولة جزائرية مدنية كما نادى بها الحراك الشعبي السلمي
إن العصابة الحاكمة في الجزائر تقود البلد إلى مالا يحمد عقباه ، لأن القمع و سياسة كبث المطالب الشعبية من شأنه العجز تماماً عن جس نبض الشارع ، و من تم قد يثور في أي لحظة لكن لا يمكن معرفة طبيعة ردة فعل الشعب إن كانت ستكون سلمية أو عنفية.